فصل: الصفات التي يجب اعتبارها في المال المسروق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الصفات التي يجب اعتبارها في المال المسروق:

وأما الصفات التي يجب اعتبارها في المال المسروق فهي:

.أولا: أن يكون مما يتمول ويملك ويحل بيعه وأخذ العوض عنه:

فلا قطع على من سرق الخمر والخنزير حتى لو كان المالك لهما ذميا لأن الله حرم ملكيتهما والانتفاع بهما بالنسبة للمسلم والذمي على السواء.
وكذلك لا قطع على سارق أدوات اللهو مثل: العود، والكمنج، والمزمار، لأنها آلات لا يجوز استعمالها عند كثير من أهل العلم، فهي ليست مما يتمول ويتملك ويحل بيعه، وأما الذين يبيحون استعمالها فيهم يتفقون مع من يحرمها في عدم قطع يد سارقها لوجود شبهة، والشبهات مسقطة للحدود.
واختلف العلماء في سرقة الحر الصغير غير المميز.
فقال أبو حنيفة والشافعي: لا قطع على من سرقه لأنه ليس بمال ويعزر وإن كان عليه حلي أو ثياب فلا يقطع أيضا، لأن ما عليه من الحلي تبع له وليست مقصودة بالاخذ.
وقال مالك: في سرقته القطع، لأنه من أعظم المال ولم يقطع السارق في المال لعينه، وإنما قطع لتعلق النفوس به، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد.
وسارق العبد الصغير غير المميز يقطع، لأنه مال متقوم، وأما المميز فإنه لا يحد سارقه، لأنه وإن كان مالا يباع ويشترى فإن له سلطانا على نفسه فلا يعد محرزا.
وأما ما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه، كالكلب المأذون في بيعه، ولحوم الضحايا، فقال أشهب، من المالكية: يقطع سارق الكلب المأذون باتخاذه، ولا يقطع في كلب غير مأذون باتخاذه.
وقال أصبغ من المالكية في لحوم الضحايا: إن سرق الاضحية قبل الذبح قطع، وإن سرقها بعد الذبح فلا قطع.
وأما سرقة الماء، والثلج، والكلا، والملح، والتراب، فقد قال صاحب المغني: وإن سرق ماء فلا قطع فيه.
قاله أبو بكر وأبو إسحاق لأنه مما لا يتمول عادة ولا أعلم في هذا خلافا.
وإن سرق كلا أو ملحا، فقال أبو بكر: لا قطع فيه لأنه مما ورد الشرع باشتراك الناس فيه، فأشبه الماء.
وقال أبو إسحاق بن شاملا: فيه القطع، لأنه يتمول عادة فأشبه التين والشعير.
وأما الثلج فقال القاضي: هو كالماء لأنه ماء جامد فأشبه الجليد، والاشبه أنه كالملح لأنه يتحول عادة فهو كالملح المنعقد من الماء.
وأما التراب فإن كان مما تقل الرغبات فيه كالذي يعد للتطيين والبناء فلا قطع فيه، لأنه لا يتمول، وإن كان مما له قيمة كثيرة كالطين الارمني الذي يعد للدواء أو المعد للغسيل به، أو الصبغ كالمغرة احتمل وجهين:
1- أحدهما لا قطع فيه لأنه من جنس ما لا يتمول فأشبه الماء.
2- فيه القطع، لأنه يتمول عادة، ويحمل إلى البلدان للتجارة فأشبه العود الهندي. وأما سرقة المباح الاصل كالاسماك والطيور. فإنه لا قطع على من سرقها ما لم تحرز فإذا أحرزت فقد اختلف فيها الفقهاء.
فمذهب المالكية، والشافعية يرى قطع سارقها لأنه سرق مالا متقوما من حرز.
وذهب الأحناف والحنابلة إلى عدم القطع لما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصيد لمن أخذه».
فهذا الحديث يورث شبهة يندرئ بها الحد.
وقال عبد الله بن يسار: أتي عمر بن عبد العزيز برجل سرق دجاجة، فأراد أن يقطعه، فقال له سالم بن عبد الرحمن: قال عثمان رضي الله عنه: لا قطع في الطير وفي رواية أن عمر بن عبد العزيز استفتى السائب بن يزيد فقال: ما رأيت أحدا قطع في الطير، وما عليه في ذلك قطع، فتركه عمر.
وقال بعض الفقهاء: الطير المعتبر مباحا هو الذي يكون صيدا سوى الدجاج والبط فيجب في سرقتها القطع لأنه بمعنى الاهلي.
وقال أبو حنيفة: لا يقطع في سرقة الطعام الرطب كاللبن واللحم والفواكه الرطبة ولا في سرقة الحشيش والحطب، ولا فيما يسرع إليه الفساد، وإن بلغت قيمة المسروق منه نصاب السرقة، لأن هذه الاشياء غير مرغوب فيها، ولا يشح مالكها عادة فلا حاجة إلى الزجر بالنسبة لها، والحرز فيها ناقص، ولقوله صلى الله عليه وسلم «لا قطع في تمر ولا كثر» ولان فيه شبهة المالكية، لوجود الشركة العامة، لقول الرسول: «الناس شركاء في ثلاثة: الماء، والكلا، والنار» ومما اختلف الفقهاء فيه سرقة المصحف، فقال أبو حنيفة لا يقطع من سرقة لأنه ليس بمال، ولان لكل واحد فيه حقا.
وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة وابن المنذر: يقطع سارق المصحف إذا بلغت قيمته النصاب الذي تقطع فيه اليد.

.ثانيا: والشرط الثاني الذي يجب توافره في المال المسروق أن يبلغ الشئ المسروق نصابا:

لأنه لا بد من شيء يجعل ضابطا لاقامة الحد، ولا بد وأن يكون له قيمة يلحق الناس ضرر بفقدها، فإن من عادتهم التسامح في الشئ الحقير من الأموال، ولهذا لم يكن السلف يقطعون في الشئ التافه.
وقد اختلف الفقهاء في مقدار هذا النصاب، فذهب جمهور العلماء إلى أن القطع لا يكون إلا في سرقة ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما تساوي قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم.
وفي التقدير بهذا حكمة ظاهرة، فإن فيها كفاية المقتصد في يوم، له ولمن يمونه غالبا، وقوت الرجل وأهله مدة يوم، له خطره عند غالب الناس لما روي عن عائشة رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم «كان يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا» وفي رواية مرفوعا «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا». رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وفي رواية أخرى للنسائي مرفوعا: «لا تقطع اليد فيما دون ثمن المجن».
قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار.
ويؤيده حديث ابن عمر في الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم» وفي رواية: «قيمته ثلاثة دراهم».
ومذهب الأحناف أن النصاب الموجب للقطع عشرة دراهم ولا قطع في أقل منها.
واستدلوا بما رواه البيهقي والطحاوي والنسائي عن ابن عباس وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في تقدير ثمن المجن بعشرة دراهم.
وذهب الحسن البصري وداود الظاهري، إلى أنه يثبت القطع بالقليل والكثير عملا بإطلاق الآية، ولما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الجمل فتقطع يده» وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الاعمش راوي هذا الحديث فسر البيضة ببيضة الحديد التي تلبس للحرب، وهي كالمجن، وقد يكون ثمنها أكثر من ثمنه.
والجمل كانوا يرون أن منه ما يساوي دراهم.
وربع الدينار كان يصرف بثلاثة دراهم وفي الروضة الندية قال الشافعي: وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذلك أن الصرف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم اثنى عشر درهما بدينار.
وهو موافق لما في تقدير الديات من الذهب بألف دينار.
ومن الفضة باثنى عشر ألف درهم.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم أو دينار، أو قيمة أحدهما من العروض.
ولا قطع فيما هو أقل من ذلك، لأن ثمن المجن كان يقوم على عهد الرسول بعشرة دراهم، كما رواه عمرو بن شعيب عن ابنه عن جده.
وروي عن ابن عباس وغيره هذا التقدير.
قالوا: وتقدير ثمن المجن تبعا لهذا التقدير أحوط.
والحدود تدفع بالشبهات.
والاخذ به كأنه شبهة في العمل بما دونها.
والحق أن اعتبار ثمن المجن عشرة دراهم معارض بما هو أصح منه كما تقدم في الروايات الاخرى الصحيحة.
وقال مالك وأحمد في أظهر الروايات عنه: نصاب السرقة ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما قيمته ثلاثة دراهم من العروض.
والتقويم بالدراهم خاصة.
والاثمان أصول لا يقوم بعضها ببعض.
وقد اعترض على القطع اليد في ربع دينار مع أن ديتها خمسمائة دينار، فقال أحد الشعراء: يد بخمس مئين عسجد وديت - ما بالها قطعت في ربع دينار؟ تناقض مالنا إلا السكوت له - ونستجير بمولانا من العار وهذا المعترض قد خانه التوفيق فإنه الإسلام قد قطعها في هذا القدر حفظا للمال، وجعل ديتها خمسمائة حفظا لها.
فقد كانت ثمينة حين كانت أمينة فلما خانت هانت ولهذا قيل: يد بخمس مئين عسجد وديت - لكنها قطعت في ربع دينار حماية الدم أغلاها، وأرخصها - خيانة المال فانظر حكمة الباري متى يقدر المسروق:
وتعتبر قيمة المسروق وتقديره يوم السرقة عند مالك.
والشافعية، والحنابلة.
وقال أبو حنيفة: يقدر المسروق يوم الحكم عليه بالقطع.
سرقة الجماعة:
إذا سرقت الجماعة قدرا من المال بحيث لو قسم بينهم لكان نصيب كل واحد منهم ما يجب فيه القطع فإنهم يقطعون جميعا باتفاق الفقهاء.
أما إذا كان هذا القدر من المال يبلغ نصابا، ولكنه لو قسم بين السارقين لا يبلغ نصيب كل واحد منهم ما يجب فيه القطع فإنهم اختلفوا في ذلك.
فقال جمهور الفقهاء: يجب أن يقطعوا جميعا.
وقال أبو حنيفة: لا قطع حتى يكون ما يأخذه كل واحد منهم نصابا.
قال ابن رشد: فمن قطع الجميع رأي العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق أي أن هذا القدر من المال المسروق هو الذي يوجب القطع لحفظ المال، ومن رأى أن القطع إنما علق بهذا القدر لا بما دونه لمكان حرمة اليد قال: لا تقطع أيد كثيرة فيما أوجب الشارع فيه القطع.

.ما يعتبر في الموضع المسروق منه:

وأما الموضع المسروق منه فإنه يعتبر فيه الحرز.
والحرز هو الموضع المعد لحفظ الشئ، مثل الدار والد كان والاصطبل والمراح، والجرين، ونحو ذلك.
ولم يرد فيه ضابط من جهة الشرع ولا من جهة اللغة وإنما يرجع فيه إلى العرف، واعتبر الشرع للحرز لأنه دليل على عناية صاحب المال به وصيانته له والمحافظة عليه من التعرض للضياع، ودليل ذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل عن الحريسة التي توجد في مراتعها، قال: فيها ثمنها مرتين وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن قال: يارسول الله فالثوب وما أخذ منها في أكمامها قال: «من أخذ بفيه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شئ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن» رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه وحسنه الترمذي.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا قطع في تمر معلق ولا في حريسة الجبل، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن».
ففي هذين الحديثين اعتبار الحرز.
قال ابن القيم: فإنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الثمار من الشجرة وأوجبه على سارقه من الجرين.
وعند أبي حنيفة رحمه الله أن هذا لنقصان ماليته لاسراع الفساد إليه، وجعل هذا أصلا في كل ما نقصت ماليته بإسراع الفساد إليه إليه وقول الجمهور أصح، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل له ثلاثة أحوال: حالة لا شيء فيها، وهي ما إذا أكل منه بفيه وحالة يغرم مثليه ويضرب من غير قطع، وهي ما إذا أخرجه من شجره وأخذه، وحالة يقطع فيها، وهو ما إذا سرقه من بيدره، سواء كان انتهى جفافه أم لم ينته، فالعبرة بالمكان والحرز لا بيبسه ورطوبته، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الشاة من مرعاها، وأوجبه على سارقها من عطنها فإنه حرز. انتهى.
وإلى اعتبار الحرز ذهب جمهور الفقهاء.
وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء ولم يشترطوا الحرز في القطع منهم: أحمد وإسحاق وزفر، والظاهرية، لأن آية {والسارق والسارقة} عامة وأحاديث عمرو بن شعيب لا يصلح لتخصيصها للاختلاف الواقع فيها.
ورد ذلك ابن عبد البر فقال: أحاديث عمرو بن شعيب العمل بها واجب إذا رواها الثقات.

.اختلاف الحرز باختلاف الأموال:

والحرز مختلف باختلاف الأموال، ومرجع ذلك إلى العرف فقد يكون الشئ حرزا في وقت دون وقت.
فالدار حرز لما فيها من أثاث، والجرين حرز للثمار، والاصطبل حرز للدواب، والمراح للغنم، وهكذا.
الإنسان حرز لنفسه: والإنسان حرز لثيابه ولفراشه الذي هو نائم عليه سواء كان في المسجد أم في خارجه.
فمن جلس في الطريق ومعه متاعه فإنه يكون محرزا به، سواء أكان مستيقظا أم نائما.
فمن سرق من إنسان نقوده أو متاعه قطع بمجرد الاخذ لزوال يد المالك عنه.
واشترط الفقهاء في النائم أن يكون المسروق تحت جنبه أو تحت رأسه واستدلوا بما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجاه والنسائي والحاكم عن صفوان ابن أمية قال: كنت نائما في المسجد على خميصة لي فسرقت، فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقطعه، فقلت: يارسول الله أفي خميصة، ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له؟ قال: «فهلا كان قبل أن تأتيني» أي فهلا عفوت عنه ووهبت له قبل أن تأتيني.
وفي هذا الحديث دليل على أن المطالبة بالمسروق شرط في القطع، فلو وهبه المسروق منه إياه، أو باعه قبل رفعه إلى الحاكم سقط عن السارق.
كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «هلا كان قبل أن تأتيني به!؟».

.الطرار:

واختلفوا في الطرار.
فقالت طائفة: يقطع مطلقا سواء أوضع يده داخل الكم وأخرج المال أو شق الكم فسقط المال فأخذه.
وهو قول مالك، والاوزاعي وأبي ثور، ويعقوب، والحسن، وابن المنذر.
وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وإسحق: إن كانت الدراهم مصرورة في ظاهر كمه فطرها فسرقها لم يقطع، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع.

.المسجد حرز:

والمسجد حرز لما يعتاد وضعه فيه من البسط والحصر والقناديل والنجف.
وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم سارقا سرق ترسا كان في صفة النساء في المسجد ثمنه ثلاثة دراهم.
أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
وكذلك إذا سرق باب المسجد أو ما يزين به مما له قيمة، لأنه مال محرز لا شبهة فيه.
وخالف الشافعية في قناديل المسجد وحصرها، فمن سرقها لا يقطع، لأن ذلك جعل لمنفعة المسلمين، وللسارق فيها حق.
اللهم إلا إذا كان السارق ذميا فإنه يقطع، لأنه لا حق له فيها.